اسم الكتاب: التكييف القانوني للجرائم المرتكبة ضد الايزيدين
الدكتورة: دلباك طاهر درويش
الناشر:نفرتيتي للنشر
الطبعة الاولى 2024
في البدء نؤكد ان مشكلة الايزيديين هي مشكلة وجود جزء من المجتمع البشري الذي تعرض لابادة شاملة في مراحل تاريخية مختلفة، لذالك يتعين على الباحث عند الخوض في هذا المجال ان ياخذ بنظر الاعتبار الاهمية التي تتميز بها الدراسة عن هذا الجزء من المجتمع البشري.
من المعلوم ان مشكلة الايزيديين تعد احدى القضايا المطروحة للنقاش منذ القدم، كما انها تعتبر من بين اكبر القضايا الانسانية انتشارا في المنطقة. فقد تعرض الايزيديون للاضطهاد من قبل الدول والحكومات المتعاقبة سابقا، والمجاميع الارهابية في زمننا هذا. لذا برزت ضرورة اللجوء الى القانون الدولي العام لحمايتهم اولا، والى القانون الجنائي الدولي كفرع من القانون الدولي العام ثانيا، وذالك لتحديد الجرائم التي وقعت على الايزيدين ومعاقبة الذين ارتكبوا جرائم خارقة لحقوق البشر.
يرى بعض الباحثين ان العالم الخارجي لم يعرف الايزيديين بشكل واسع الى بعد الموجات التبشيرية للديانة المسيحية، التي بدات في البحث عن الاقليات المسيحية في الشرق، ويقول الاخرون انهم متفرعون عن الكنيسة الارمنية. وهناك راي اخر يقول ان الديانة الايزيدية اقدم من جميع الديانات السماوية (المسيحية واليهودية والاسلامية) اذ ان جميع الديانات الاخرى في منطقة ميزوبوتاميا هي فرع من الديانة الايزيدية التي كانت تسمى (مزده يسنا ) بل جميع الاقوام الساكنة في هذه المناطق كانت متاثرة بهذه الديانة كالاكدية والبابلية والسومريين.
تعرض الكورد الايزيديون عبر التاريخ الى عدد هائل من الانتهاكات، ينصب قسم من هذه الانتهاكات الى الحكام العباسيين، والهدف الاساسي وراء مجازر العباسيين كان سفك دمائهم وهتك نسائهم وهدم قراهم وسلب كل ما يمتلكون. كما تعرضوا الى العديد من المحاولات لمسخ هويتهم التاريخية لاسباب سياسية، دينية وقومية.
ان ضمير الانسانية لا ينسى حملة الفريق عمر باشا علم 1893م على الايزيديين في شيخان، التي تعد اخطر حملة ضد الايزيدية حيث اوقعت خرابا ودمارا شاملا بالمعالم الاثرية والدينية فقد قاموا بسلب ونهب جميع الممتلكات المالية وسلب النساء وهتك الاعراض. كانت الدولة العثمانية لا تراعي في هجومها على الايزيديين اية قواعد حربية والاعراف الدولية في تعاملها مع الاطفال والنساء والمدنيين فكل شئ بالنسبة لها كان مباحا، والتاريخ ملئ بالماسي والويلات لهم.
تعرض الايزيديون لحملات محمد باشا الراوندوزي عام 1832م نستطيع ان نقول ان هذه الحملات تعد من ابشع الجرائم بحق الانسانية حيث اكتسحت قواته امارتين ايزيديتين في ان واحد، بدءا من امارة حرير ومرورا باسكي كلك وعقرة ومنطقة مقلوب وشيخان وحتى الجانب الايسر من مدينة الموصل، قتل فيها ما يقارب 135الف انسان برئ لكونهم ايزيديين، وتغيير ديانتهم الى الاسلام بالقوة والاكراه وجعل لالش مدرسة دينية لتعليم القران، وسبي 10الاف ايزيدي واسر العديد منهم من ضمنهم الامير علي بك ومن ثم قتله في كلي علي بك، وهكذا الحقت بهم اضرار كبيرة في اطار توسعه وضم امارة بهدينان ومناطق الكرد الايزيديين، والتي كانت نهايتها على يد الدولة العثمانية التي كانت عازمة على استئصال جميع الامارات الكردية بما فيها الامارة الايزيدية في الشيخان وسنجار على يد اكبر قادتها رشيد باشا وحافظ باشا.
ان تغيير النظام السياسي في العراق بعد سقوط حزب البعث عام 2003 ادى الى خلق حالة من التوتر ونهوض للتيارات الارهابية المتطرفة وازدياد المشالكل الطائفية، هذا ما جعل حياة الاقليات الدينية عرضة للخطر والانتهاك
بعد كل العمليات الاجرامية التي ارتكبت بحق الايزيديين، قامت حركة داعش الارهابية في حزيران عام 2014 بتدمير بقية الاجزاء الباقية من هذا المكون، وقد ظهرت لاول مرة من خلال بث رسالة صوتية لزعيمهم ابو بكر البغدادي على شبكة شموخ الاسلام في 9/4/2013 واعلن فيها دمج تنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الاسلامية تحت اسم (الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش) وهي ذات افكار سلفية جهادية، حسب اقوالهم تهدف الى اعادة الخلافة الاسلامية في العالم، اما مجيئهم الى العراق فحسب ادعاءاتهم كانو يحاولون تمثيل سنة العراق لكي ينجوا من مظلوميتهم من الدولة العراقية الشيعية.
في تقريراخر للمنظمة لعام 2016 /2017 اشار الى ان النساء والفتيات عانين من عدم الحماية والعنف الجنسي وغيره من اشكال العنف
قد تاكد للامم المتحدة من خلال رصدها المستمر، ان الجرائم التي ارتكبها التنظيم تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وقد ترقى الى مستوى الابادة الجماعية، ويبقى تحديد ذالك الامر متوقفا على راي محكمة مستقلة مختصة في هذا الشان.
قامت داعش بتهريب بعض النساء والاطفال الايزيديين الاسرى دوليا، في المقام الاول الى سوريا وتركيا، وكذالك الى مصر والسعودية ودول الخليج واوروبا وافغانستان وباكستان وجمهورية الشيشان الروسية. وورد ان هذا يشمل الاتجار بالاعضاء ايضا.
تشكل مسالة تجنيد الاطفال باعث قلق كبير بالنسبة الى اللجنة الدولية الصليب الاحمر، ولهم الاولوية الكبرى في تفادي حدوث التجنيد في المقام الاول.
ان بعض مقاتلي داعش قاموا باهداء النساء الايزيديات ( سباياهم ) الى بعضهم البعض ليوم واحد، او حتى لبضع ساعات، وقاموا بعرضهن مجردات من ملابسهن في سوق الرقيق في مدينة الرقة السورية . وحتى اجبرالارامل الايزيديات على القيام بزواج النكاح او الانضمام الى صفوف القتال معهم.
الهدف الاول من تشكيل محكمة رواندا هو محاكمة الاشخاص المسؤولين عن اعمال ابادة الاجناس وغير ذالك من الانتهاكات الجسيمة ووضع حد للحصانة التي كانت تعد الستارالذي خلفه ارتكبت ابشع الجرائم ذالك لضمان توقف هذه الانتهاكات وحفظ السلامة الدولية.
نظرا لان ارتكاب الجرائم ضد الايزيديين قد تميز بالطبيعة القانونية للجرائم الدولية التي احتوتها النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعند التطرق الى طبيعة ونوعية هذه الجرائم لا بد وان نقف ايضا على اركان هذه الجرائم، فيكون تصنيف الجرائم الدولية في النظام الاساسي والطبيعة القانونية لها في ضوء اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية، علما ان النظام الاساسي للمحكمة قد اعتمد على مفهوم واركان جريمة الابادة الجماعية في هذه الاتفاقية.
تتميز الجريمة الدولية عن الجريمة الداخلية بالركن الدولي، ويتضح ذالك في طبيعة المصالح المعتدى عليها من ناحية والتي تهم الجماعة الدولية، ومن ناحية اخرى في صفة مرتكبها. حيث يرتكبها شخص طبيعي نيابة عن دولته او منظمة دولية .
انواع جريمة الابادة الجماعية :
1-الابادة الجسدية
2-الابادة البيولوجية
3-الابادة الثقافية
4-الابادة الاقتصادية
ان اختيار موضوع الجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين للدراسة العلمية له اهمية من ناحيتين : الاولى، ان البحث عن ديانة مغلقة بوجه غير معتنقيها، ليس سهلا انما هو امر صعب ومسؤولية كبيرة امام هذه الديانة، كباحث بمقدورك ان تبحث مضمون هذه الديانة وتكشف عن جوانبها المخفية . ومن جانب اخر ان الايزيدية كديانة وكهوية قومية تحمل نقاشا وخلافات كثيرة.
عزيزي القارئ
خلال بحثنا لهذا الموضوع وصلنا الى نتيجة ان حياة الايزيديين على مر التاريخ ملئ بالظلم والاستبداد منذ العصر العثماني حتى مرحلة البعث في العراق، ثم عمليات وجرائم داعش كانت امتدادا اخر لوجهة نظر عصبية ومذهبية تجاه هذا المكون الديني
بناء على ذالك يجيب هذا الكتاب على التساؤل بشان الجوانب الصائبة في ماضي وحاضر الايزيديين من اجل حمايتهم القانونية الدولية، وبالتحديد مدى شرعية تبرير الجرائم المرتكبة ضد الايزيديين في ضوء القواعد القانونية الدولية المتمثلة بالحماية الجنائية للانسان .
بابەتی زیاتر