اسم الكتاب: جرائم مخفية
ماساة شاب ناجي من معتقلات الحزب الديمقراطي الكردستاني
تاليف: عمر قلعة دزي
الترجمة عن الكردية: قاسم رضا
عدد النسخ:500
الطبعة الاول:2024
مقدمة:
يقال بان الحروب شر من صنع الانسان، تولد في عقول البشر، وتفتك بالمشاعر والاخلاق والقوانين وحق الانسان في الحياة والاختلاف والتطور، وتلتهم منظومات القيم الانسانية، وتكتشف عن اسوا ما لدى البشر من غرائز فاسدة وشريرة .. هذا هو الوجه الحقيقي القبيح للحروب بصورة عامة، ولكن الحروب الاهلية او اقتتال الاخوة، تكون اكثر بشاعة وايلاما وتترك اثارا وجراحا اخطر واكثر قساوة، كما تؤدي الى حدوث انقسامات خطيرة واحتقان بين ابناء المجتمع الواحد والشعب الواحد، وهذه الانقسامات قد تطول لسنين وعقود وقرون وتهدد النسيج الاجتماعي وتقضي عليها بمرور الزمن وتصبح التلاحم الوطني من جديد هشا وامرا صعبا.
*انا اسمي (ع.م.ب)، ولدت في مدينة قلعة دزه عام 1980، تسلسلي الرابع والاخير بين اخوتي الذكور، حيث كلن لدي ثلاثة اخوة اكبر مني. قبل ولادتي باربعة اشهر، ترك والدي المدينة والتحق بصفوف بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني، لتبدا معاناة عائلتي مع مضايقات ومداهمات رجال الامن ومرتزقة النظام في ذالك العهد، فذاقوا مرارة الحياة والخوف الدائم، وكان الحل الوحيد هو ترك قلعة دزه، لذالك هربنا الى ايران في بداية عام 1982 واستوطنا في مدينة سردشت الايرانية المحاذية للحدود. ص11
*العودة الى ارض الوطن
في عام 1994بدا الحرب الداخلية بين قوات الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، اشعلت فتيل الحرب من قلعة دزه لتمتد سعيره الى سائر ارجاء كردستان وكانت الغلبة للاتحاد الوطني الكردستاني في بادئ الامر، وقد سيطر على جميع المناطق بما في ذالك اربيل العاصمة، وقد انهار الحزب الديمقراطي الكردستاني تماما ودحر قواته ولم تقوي على مقارعة قوات الاتحاد الوطني الكردستاني، ووصلت المعارك الى مشارف قصبة (سري رش) معقل البارتي ومقر اقامة رئيسه مسعود البارزاني. ص16
*استشهاد مصطفى
وعند تقدم القوات المعادية نحو قلعة دزه، هربنا انا وامي نحو الحدود الايرانية مجددا،ولم نكن نعلم مصير ابي واخوتي الثلاث حيث كانوا جميعا في جبهات القتال، وكانت امي تبكي دائما وتدعو من الله ان يعود بابي واخوتي سالمين... وبعد مدة وجيزة وما ان اعاد الاتحاد تنظيم قواته، حتى حرر الكثير من المناطق في هجوم مضاد، ونحن ايضا رجعنا الى قلعة دزه، ولكنه للاسف قد تم نهب اثاث وحاجيات بيتنا من قبل مسلحي البارتي ولم يبقوا لنا على شئ .. ص18
*التحاقي بصفوف البيشمركة
منذ اليوم الذي رايت فيه جثة اخي مصطفى وكان مشوها بوحشية، قررت ان التحق بصفوف البيشمركه واسير على دربه.
*وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل كثف الطيران التركي من قصفه، بحيث اصاب صاروخ من طائرة تركية رابيتنا فاصبت اصابة بالغة، كما فقدت اخي رزكار، ولم اسمع صوته. حاولت الوقوف على قدمي ولم استطع، فزحفت على بطني ابحث عن اخي رزكار، ولما وجدته كان قد استشهد وقد شطر جسده الى نصفين. ص20
*في المستشفى انزعوا ملابسي، وقتها فقط عرفت حجم اصابتي. كانت هناك جروح في ذراعي الايمن وفخذي الايسر وجبيني وانفي، وكتعذيب اضافي بداوا بخياطة جروحي بدون تخدير، معللا بعدم وجود مادة التخدير...ومن شدة الالم فقدت الوعي..عندما عدت الى الوعي، علمت بانهم خيطوا جروحي بدون اي مخدر وكان هناك 75 قطبا في الذراع والفخذ والانف. كانت الامي لا تطاق، ولكن كان علي الصمود فكلما تذكرت امي وقد فقدت اثنين من اخوتي في مدة قصيرة، وها انا اسير ومصاب بجروح خطيرة، فلو مت سوف  تنهار تماما، لذا تمسكت بالحياة وقررت ان لا اياس مهما حدث ص21
*جحيم اخر
بعد عدة ايام فتحوا باب سجني وقيدوني وعصبوا عيني واصعدوني بسيارة واقتادوني الى حيث لا ادري، وبعد ان سارت السيارة لمدة تزيد عن نصف ساعة، توقفت وفتحوا الباب وانزلوني وبعد عدة خطوات فتحوا قيودي ونزعوا العصابة من عيني، فعرفت بانهم نقلوني الى سجن جديد، فادخلوني زنزانة فيها ثلاث اشخااص . ص27
*حكم بستة سنوات في السجن الانفرادي
اتى وقت النطق بالحكم، كنت ابكي...وما زال في قلبي بصيص من الامل ان يلين الله قلبه ويحكم بالافراج عني، فطلب غاضبا مني السكوت...ونطق بالحكم:
السجن لمدة ست سنوات في سجن انفرادي، جلستان من التعذيب في الاسبوع ، مع وجبة طعام واحدة فقط كل 24 ساعة انهال علي نطق الحكم كالصاعقة، ازداد بكائي، كيف تنتهي ستة سنوات وفي سجن انفرادي مع التغذيب والجوع والحرب النفسية؟ ولكن لم التعذيب؟ فالمعروف بان التعذيب حتى عند الانظمة القمعية هي من اجل نزع الاعتراف بالقوة  في فترة التحقيق وليس بعد اصدار الحكم ...لا مفر، سوف اقتل نفسي، ذالك ارحم لي ..وبعد ان يئست من رحمة عباد الله توسلت من الله ان يفرجه في وجهي ويخرجني من محنتي وعذابي او ياخذ امانته ويقبض روحي. ص31
*لقد اصبت بانهيار، وكانت تاتيني نوبات بكاء طويلة، واطلب من الله ان يقبض روحي، فهؤلاء لا ضمير لهم ولا رحمة، يعاملونني وكانني انا من اشعلت فتيل الحرب ! صدام حسين الذي انفل 182 الف كوردي وقتل 5 الاف اخرين في القصف الكيمياوي في حلبجة، قتل واعدم مئات الالوف من العراقيين الابرياء، ولكن بعد سقوط نظامه والقبض عليه ما كانوا يعاملوه في السجن كما يعاملوني هؤلاء ! قهل اكون اكثر خطرا واجراما من صدام حسين؟! فناهيك عن التعذيب الممنهج والتجويع، فقد كنت اهان يوميا وانال الشتائم والاحتقار من كل من هب ودب، وكنت اختار الصمت وعدم الرد، خوفا من التعذيب الاضافي . ص33
* بدا الياس يسيطر على تفكيري.. لا مفر ولا فرج .. لن اخرج من هنا ولن استطيع تحمل العذاب اكثر، فقررت الانتحار كحل لمعاناتي، حاولت عدة مرات ولم افلح،حيث لم تكن هناك اية وسيلة واداة تساعدني في تنفيذ مخططي للانتحار. ص34
* فقيدوا يدي وانهالوا علي بالضرب بدون رحمة. قام احدهم بتسخين ملعقة الشاي بواسطة قداحة، وطلبوا مني ان افتح فمي واخرج لساني، رضخت لهم مجبرا، فقاموا بكوي لساني.. كاد قلبي ان يتوقف، ففقدت الوعي، فقاموا برشي بالماء ولما استيقظت، اعطوني كوبا حارا من الماء كدت اجن، ثم ناولوني ماءا شديد البرودة، وتركوني ضاحكين. ص35
* وهم الحرية
ادخلوني في سيارة لا ادري نوعها، وانطلقت مسرعة .. بعد السير لمدة ساعة واحدة، توقفت السيارة .. فكوا قيودي وازاحوا العصابة من على عيني وقالوا لي: انزل
كانوا اربعة رجال ملثمين، في لبداية لم اصدقهم، فبقيت احدق في اعينهم واحدا تلو الاخر كالابله، فاعادوا الكرة:
انت الان في مدينة اربيل. انزل فانت حر !
وعندما نزلت من السيارة التي عرفت حينها بانها بيضاء وبلا لوحة ارقام، خفت من ان يطلقوا النار علي، ولكن ما ان انزلوني حتى انطلقوا بها مسرعين، حينها طرت فرحا غير مصدق بما ارى وادمعت عيناي سرورا.. سالت نفسي: هل هذا حلم ام حقيقة؟1 كنت اتصرف كالمجنون تماما! ص39
*اقترب موعد السفر ومراجعة الطبيب الالماني، راجعت السفارة الالمانية مستصحبا جواز السفر وصورتين شخصيتين والتقرير الطبي الذي كتبه الطبيب الالماني ..شكرا لله فقد تمت الموافقة على اعطائي تاشيرة دخول جديدة خلال مدة قصيرة، ولكن عندما عدت الى قلعة دزه، وجدت امي مريضة جدا، فقلت بانني لن اسافر، فاصرت والدتي على سفري، لذا جهزت حالي للسفر وانا ادعو من الله ان يرعي امي الوحيدة وان احصل على نتيجة مرضية هناك.. ص55
*الفرحة التي لم تدم واصرار امي على تزويجي
بدات امي تلح علي بالزواج وتقول بانها تريد رؤية احفادها قبل ان تموت ! للاسف كانت امي لم تكن تعلم بان ابنهليس فقط لا يستطيع الانجاب، بل انه لا يستطيع حتى الزواج والمعاشرة الزوجية .. ص57
*لقاء امي بابي واخوتي
عند الفجر سلمت امي روحها الطاهرة الى الله وتلركتني وحيدا الى الابد، لتلتحق بابي واخوتي، لم اصدق بانها حقا قد توفيت، فاصبحت كالمجنون لا ادري ماذا افعل .. وبعد ان عرفت الناس والاقرباء بوفاة امي، توافدوا على المستشفى، استلمنا جثمانها وخرجنا من المستشفى حاملين تابوت فيه جثة اعز ما املك في الحياة.. ص64
*سنتان اخريتان في السجن
بعد ان طبعت هذا الكتيب باللغة الكردية، وما ان عرفت الاجهزة المخابراتية للبارتي بذالك، بداوا بالضغط علي ووصل الامر الى اعتقالي في 13/8/2021 ، لقد ساوموني كثيرا واصبح مسالة اطلاق سراحي مرهونا بسحب الكتيب وعدم نشره، ولكنني رفضت ذالك ولم ارضخ لمطاليبهم، فحكموا علي بتهمة التشهير وبقيت في السجن لاكثر من سنتين، حيث اطلق صراحي في 23/11/ 2023 ، وكان ثمانية سنوات من اسري وتعذيبي وسلب رجولتي لم يشفي غليلهم
وما زال مستمسكاتي الرسمية واغراضي الشخصية من جواز السفر والبطاقة الوطنية وهاتفي النقال، محجوز لدى البارتي. لذا وبعد ان خرجت من السجن قررت ان اطبع الكتيب باللغة العربية، ليعرف الشارع العراقي والجهات المختصة بما عانيت. ص65
*لقد سمعت من الناس بان في سجون النظام البعثي كانوا يخصون الرجال، ولكن لم اعرف بان البارتي يفوقه اجراما، كيف لكوردي ان يفعل ذالك باخيه الكردي؟ لذا قررت ان انشر ما حصل لي في كتاب او كتيب باللغات الكردية والعربية والانجليزية، حتى يعرف كل العالم بما جرى لي وما فعلوه بي في سجون البارتي. ص66
وفي الختام
انا افتخر بنفسي وبما قدمته عائلتي من التضحيات وان ما حصل لي كان من اجل حزب كبير كالاتحاد الوطني الكردستاني، وحتى يوم مماتي سابقى على درب ابي واخوتي ورفاقي وعلى نهج مام جلال الخالد.
ادعوا من الله ان لا يحصل ما حصل لي لاي شخص اخر،لا احد يرى سجون البارتي، فانا فقط اعرف ما مررت به هناك ولساني عاجز بوصف كل ما رايته بدقة، كان من المستحيل ان يتحمل اي شخص بما مررت به، لكن الله اعطاني الصبر والثبات، واعتقد بان العناية الالهية قد اراد بقائي حيا لافضح تلك الجرائم البشعة.

بابەتی زیاتر

Copyright © 2024. Hoshyary.com. All right reserved